المملكة 2030 - 3 مايو 2016
2021-10-11 642
وأنا أصغي -كغيري من المواطنين- باهتمامٍ وإعجابٍ واندهاشٍ لصاحب السموّ الملكي الأمير محمد بن سلمان وهو يشرحُ باقتدارٍ وثقةٍ واسترسال (رؤية المملكة 2030) تذكرت تجربة ماليزيا حين طرحتْ رؤيتَها (2020) تلك الرؤية التي قال عنها عرّابُها مهاتير محمد: «طَرَحْنا الرؤية 2020 لتكون مخططًا وخريطةَ طريق لنصبح دولةً تدخل بنجاح وقوةٍ عالم الحداثة الاقتصادية والعلمية والتكنولوجية، لكننا أردنا القيام بذلك بالاعتمادِ على أسسنا الثقافية الخاصةِ وضمن إطار حضارتنا لا بتقليد الآخرين وخسارة شخصيتنا».
لقد وضعتْ تلك الرؤية ماليزيا بقوة على خارطة العالم الحديث خلال سنواتٍ معدوداتٍ، ونحن على أملٍ كبيرٍ أن تصنع رؤية المملكة 2030 قفزةً (سعوديةً) استثنائيةً تُضافُ إلى رصيدِ إنجازاتِ المملكةِ الحافلِ، وتكونُ واسطةَ العقدِ في تاريخها النهضويِّ المتجدد.
ليستِ المملكةُ عالة على أحدٍ، ولا هي تقلدُ أحدًا، ولكن الناجحين دائمًا لا يستنكفون عن قراءة تجارب الآخرين.
لقد وُفِّقَ الأميرُ حين ركَّز في رؤية بلادِهِ على الإنسانِ والمكانِ والإمكانِ في آنٍ واحدٍ.. فقد استحضرَ عُمقَ الإنسانِ السعوديِ إسلاميًا وعربيًا وحضاريًا، وجعل له دورًا فاعلًا في هذه الرؤيةِ، بل صرَّحَ بأنَّ من سيقفُ ضدَّ هذه الرؤية الطموحة فسوف (يصطدمُ مع الشعب)؛ لأنّه مؤمنٌ بإنسانِ هذا الوطنِ فاعليةً وقدرةً وانتماءً.. كذلك التفتَ الأميرُ إلى المكانِ، إلى الموقعِ الفريدِ جغرافيًا، والفريدِ كذلك بما يحتويهِ من مقدساتٍ تجعلُ من المملكةِ العربية السعودية قبلةَ المسلمين.
وفصّل الأميرُ في لقائه المتميز وجوهَ (الإمكانِ) التي تتمتع بها المملكةُ خارج دائرة النفطِ، فأفاض في الحديث عن صندوق الاستثمار السياديّ، وعن الأصول المتاحةِ، وعن مصادر الدخل المتعددةِ التي ستُسهمُ في رفعِ كفاءَةِ الاقتصادِ، والأرباحِ، ومعيشةِ المواطنِ.
لم يكنْ هذا الاستيعابُ كلَّ ما يميزُ هذه الرؤية، بل ميزَها طموحٌ وثّابٌ، جعل الأمير الشاب يقول: «إننا لن نحصر أنفسنا في مشكلاتٍ من نحو: السكن والبطالة! طموحُنا أكبر، وطموحنا سيبتلع كل هذه المشكلات الصغيرة».. نحنُ إذنْ أمامَ (رؤيةٍ) جمعتْ بين الشمولِ والطموحِ، وزاوجتْ بين الواقعيةِ والجرأةِ، ووازنتْ بين إدراك صعوباتِ الواقعِ وتحديها. ولذلك حُقَّ لنا أن نفخرَ بها، ونلتفّ حولها، ونعمل لأجلها.
وأعتقدُ أن الجامعاتِ بما لها من الخبرةِ والتجربة، والعلم والمعرفة، جديرةٌ بأنْ تكونَ ذاتَ إسهامٍ فاعلٍ في تحقيق هذه الرؤيةِ، وذلك من خلال ثلاثة مسارات:
المسار الأول: (تكون) الكوادر الوطنية التي ستنهض بعبءِ تحقيقِ هذه الرؤيةِ، وإعدادُها الإعدادَ اللازمَ، بكل ما يقتضيه ذلك من مراجعةِ البرامج والمناهج والخططِ وتعزيز الجانبِ الوظيفيّ فيها .
المسار الثاني: (تدوين) الأبحاث العلمية النظرية والتجريبية التي تصلحُ مِهادًا لمشروعات التطوير، وتكونُ أساسًا للخطواتِ العمليةِ المحقِّقةِ للرؤيةِ .
المسار الثالث: (تدشين) المنتجاتِ والاختراعاتِ الناشئة عن البحثِ العلميِّ، بكل ما يتطلبه ذلك من توفير بيئة حاضنةٍ للمخترعين، وتسهيل أسباب الدعمِ، وتذليل العقباتِ، عبر أوديةِ التقنية، وحاضنات الأعمال، وحدائق المعرفة، ونحو ذلك، مما يعزّزُ مسيرة الاقتصادِ المعرفيِّ الذي هو أحدُ أركانِ الرؤيةِ.
إنَّ استثمارَ الرخاءِ الحاليِّ في تعزيز هذه المساراتِ تحسبًا لمفاجآت المستقبلِ هو واجبُ الوقتِ بالنسبة للجامعاتِ، إذْ لابد لها من قاعدةٍ كقاعدةِ يوسف عليه السلام حين قال: (تزرعون سبع سنين دأبًا فما حصدتُم فذروه في سنبله إلا قليلًا مما تحصنون) ثم قال: (ثم يأتي من بعد ذلك عامٌ فيه يُغاث الناس وفيه يعصرون)، فقد نبّه على ضرورةِ توظيف زمن الرخاء لضمان الاستمرار في زمن الشدة، حتى يعودَ الرخاء مرة أخرى.
والحمدُ لله أن رؤية المملكةِ الجديدة تفتح آفاقًا واسعةً للحراكِ في هذه المساراتِ، بما يضمنُ للجامعاتِ بإذن الله ديمومةً واستمرارًا، ويضمنُ لها أيضًا إسهامًا محوريًا في تحقيقِ طموحاتِ وآمال قادةِ هذه البلاد.